المعيار المحاسبي (FAS 157) .. هل كان جلاد الأزمة المالية أم ضحيتها؟
Published by Ahmed Sayem under الازمه الماليه وتاثيرها عى معايير المحاسبه on 11:13 صد. محمد آل عباس
لم يكمل المعيار المحاسبي FAS 157 سنته الأولى حتى بدت حوله خلافات شديدة وتم تعليقه من قبل هيئة السوق الأمريكية SEC بعد أن وجهت إليه اتهامات خطيرة بالضلوع في إفلاس البنوك ومؤسسات الاستثمار الأمريكية، لكن القصة بدأت مبكرا عندما أقرتSEC قبل أكثر من عقد من الزمان استخدام طريقة Mark to Market للمحاسبة عن الأصول المالية.
بعد انهيار "إنرون" المدوي ظهرت وبحدة مشكلة قياس القيمة العادلة، فقد تعددت التعريفات العلمية لها وتبعثرت في المعايير المحاسبية، ما أفقدها ميزة الثبات وأصبحت ثغرة نفذت منها مجالس الإدارات للتلاعب بالأرباح وتضخيم الأصول، لذلك وبعد جدل طويل تم اعتماد المعيار رقم 157 بعنوان قياس القيمة العادلةFair Value Measurement . لقد بني هذا المعيار على أساس أن الأسواق قادرة على تقديم أفضل قياس للأصول وأكثرها استقلالا وعدالة. ولحل قضية التلاعب بالقيمة العادلة من خلال استخدام طريقةmark to model قدم المعيار تفصيلا هيكليا للقيمة العادلة على أساس وجود أسعار سوقية من مصادر مستقلة على النحو الآتي: 1- القيمة العادلة التي يتم استخلاصها بناء على تعاملات الأسواق ويتم الحصول عليها من مصادر مستقلة عن الإدارة. 2- القيمة العادلة بتقدير الإدارة، ولكن أيضا وفقا لمبدأ أسعار السوق، ووفقا لأفضل المعلومات المتاحة لها، مع الأخذ في الحسبان أسعار الفائدة والمخاطر المحيطة بعملية البيع وذلك عندما لا تكون هناك أسواق نشطة ومصادر مستقلة يمكن الاعتماد عليها.
كان هذا يبدو مثاليا وتطورا هائلا في الفكر المحاسبي, اقتضى سنوات طويلة من النقاش والجدل، لكنه ولد في غير أوانه، فقد افترض هذا المعيار أن الأسواق قادرة على التقييم السليم للأصول ولا يمكن أن تتعثر في تحديد القيم الحقيقية أو تتحول إلى مصدر للكارثة، فقد رصدت التحولات الخطيرة عندما بدأت أسعار الأصول في الارتفاع في بدايات فقاعة الأصول في الولايات المتحدة. في ذلك الوقت ونظرا لأن البنوك تحدد القيمة العادلة لأصولها المملوكة وفقا لسعر السوق، فإن رأسمالها كان يتضخم باستمرار كلما تضخمت أسعار الأصول في السوق ولتحافظ على العلاقة بين قيمة رأس المال والقروض كان الارتفاع في قيمة رأس المال يشجع البنوك على الاقتراض أكثر، وبالتالي ضخامة المركز المالي للبنك ككل وهذا كنتيجة شجعها على الإقدام بشراهة في عمليات القروض حتى أقرضت العملاء الأكثر خطورة كلما نما رأسمالها وتعاظمت قيم أصولها.
لكن عمل القيمة العادلة والأسواق متفائلة جدا كان هو عملها أيضا عندما بدأت السحب تتلبد في سماء الإقراض. ولأن القيمة العادلة وفقا للمعيار الأخير تقرر أن يتم تقييم الأصول التي ليس لها سوق رائجة وفقا لأفضل المعلومات المتاحة فإن الانخفاض المستمر والتوقعات السلبية لقيم الرهونات العقارية لم يمس فقط تلك الرهونات السيئة (التي امتنع أصحابها عن السداد)، بل يمس كل الرهونات العقارية الأخرى وهكذا بدأت الكرة في التدحرج نحو الاتجاه العكسي وانعكست على قيم الأصول التي بحوزة البنوك والمقيمة وفقا للقيمة العادلة بالتالي قيمة البنك وبدأت سلسلة الانهيارات تتوالى.
لم يكن هناك شك أن البنوك قادت إلى هذه الكارثة الاقتصادية، لكن الشكوك حامت بشدة حول الأثر التراكمي الذي خلفه استخدام المعيار رقم 157 وبشكل خاص طريقةMark to Market ، الأمر الذي جعل العديد من الاقتصاديين الذين طالما نادوا بتطوير الطرق المحاسبية لقياس وعرض الأصول لتقترب كثيرا من القيمة الحقيقية يناشدون اليوم بإيقاف العمل بأفضل هذه الطرق وأكثرها حداثة، ما جعل خطة الإنقاذ الأمريكية تدرج بندا خاصا بمشروع إعادة النظر في المعيار وتطلب دراسة وافية عنه وتطلب من SEC أن تعلق العمل بطريقةMark to Market . محاسبيا يبدو هذا تدهورا حقيقيا ويعيد المهنة عقدا كاملا من الزمن إلى الوراء، فهل كان المعيار جلادا أم ضحية؟
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاقتصادية الالكترونية 2008
تصميم وتطوير وتنفيذ إدارة البوابة الإلكترونية في صحيفة الاقتصادية
عندما تقوم بشراء سهم شركة بسعر 100 مثلا واحتفظت به زمنا حتى أصبح سعره 110 ثم سألك أحدهم كم ثروتك هل ستقول له 100 أو 110؟ تلك هي القضية المحاسبية الشائكة. إن قلت إنها تقدر بـ 110 فإنك بهذا تعترف بدخل قيمته 10 فما دليلك على ذلك وأنت لم تقم بالبيع وتحويل السهم إلى نقد؟ لكن إذا قلت إنها تقدر بـ 100 فأنت تستند إلى دليل قوي وهو عملية التبادل الحقيقية التي تمت في الماضي وتؤجل الاعتراف بالدخل إلى وقت البيع، لكن هل فعلا أخبرت الآخرين بحقيقة وضعك المالي وقدرتك على سداد التزاماتك الحالية؟ عندما ظهرت طريقةMark to Market أصبحت المؤسسات المالية قادرة على أن تعترف بالأرباح والخسائر الناتجة عن الاستثمار في الأصول المالية، وذلك باعتماد القيمة السوقية لها. تبدو المسألة بسيطة لأول وهلة فما المشكلة في اعتماد القيمة السوقية؟ لا إشكال كبيرا في القضية كلما توافرت سوق نشطة وفاعلة للأصول، لكن للأسف الحال ليست كذلك دائما، فهناك العديد من الأصول لا توجد لها سوق معلنة تحدد أسعار التبادل الآنية. هنا ظهرت مشكلة القياس وأقرت الهيئات استخدام عبارة القيمة العادلة Fair Value بدلا من عبارة القيمة السوقية، فأحيانا نحتاج إلى تقدير القيمة من خلال استخدام نماذج ومعادلات معينةMark to Model .
بعد انهيار "إنرون" المدوي ظهرت وبحدة مشكلة قياس القيمة العادلة، فقد تعددت التعريفات العلمية لها وتبعثرت في المعايير المحاسبية، ما أفقدها ميزة الثبات وأصبحت ثغرة نفذت منها مجالس الإدارات للتلاعب بالأرباح وتضخيم الأصول، لذلك وبعد جدل طويل تم اعتماد المعيار رقم 157 بعنوان قياس القيمة العادلةFair Value Measurement . لقد بني هذا المعيار على أساس أن الأسواق قادرة على تقديم أفضل قياس للأصول وأكثرها استقلالا وعدالة. ولحل قضية التلاعب بالقيمة العادلة من خلال استخدام طريقةmark to model قدم المعيار تفصيلا هيكليا للقيمة العادلة على أساس وجود أسعار سوقية من مصادر مستقلة على النحو الآتي: 1- القيمة العادلة التي يتم استخلاصها بناء على تعاملات الأسواق ويتم الحصول عليها من مصادر مستقلة عن الإدارة. 2- القيمة العادلة بتقدير الإدارة، ولكن أيضا وفقا لمبدأ أسعار السوق، ووفقا لأفضل المعلومات المتاحة لها، مع الأخذ في الحسبان أسعار الفائدة والمخاطر المحيطة بعملية البيع وذلك عندما لا تكون هناك أسواق نشطة ومصادر مستقلة يمكن الاعتماد عليها.
كان هذا يبدو مثاليا وتطورا هائلا في الفكر المحاسبي, اقتضى سنوات طويلة من النقاش والجدل، لكنه ولد في غير أوانه، فقد افترض هذا المعيار أن الأسواق قادرة على التقييم السليم للأصول ولا يمكن أن تتعثر في تحديد القيم الحقيقية أو تتحول إلى مصدر للكارثة، فقد رصدت التحولات الخطيرة عندما بدأت أسعار الأصول في الارتفاع في بدايات فقاعة الأصول في الولايات المتحدة. في ذلك الوقت ونظرا لأن البنوك تحدد القيمة العادلة لأصولها المملوكة وفقا لسعر السوق، فإن رأسمالها كان يتضخم باستمرار كلما تضخمت أسعار الأصول في السوق ولتحافظ على العلاقة بين قيمة رأس المال والقروض كان الارتفاع في قيمة رأس المال يشجع البنوك على الاقتراض أكثر، وبالتالي ضخامة المركز المالي للبنك ككل وهذا كنتيجة شجعها على الإقدام بشراهة في عمليات القروض حتى أقرضت العملاء الأكثر خطورة كلما نما رأسمالها وتعاظمت قيم أصولها.
لكن عمل القيمة العادلة والأسواق متفائلة جدا كان هو عملها أيضا عندما بدأت السحب تتلبد في سماء الإقراض. ولأن القيمة العادلة وفقا للمعيار الأخير تقرر أن يتم تقييم الأصول التي ليس لها سوق رائجة وفقا لأفضل المعلومات المتاحة فإن الانخفاض المستمر والتوقعات السلبية لقيم الرهونات العقارية لم يمس فقط تلك الرهونات السيئة (التي امتنع أصحابها عن السداد)، بل يمس كل الرهونات العقارية الأخرى وهكذا بدأت الكرة في التدحرج نحو الاتجاه العكسي وانعكست على قيم الأصول التي بحوزة البنوك والمقيمة وفقا للقيمة العادلة بالتالي قيمة البنك وبدأت سلسلة الانهيارات تتوالى.
لم يكن هناك شك أن البنوك قادت إلى هذه الكارثة الاقتصادية، لكن الشكوك حامت بشدة حول الأثر التراكمي الذي خلفه استخدام المعيار رقم 157 وبشكل خاص طريقةMark to Market ، الأمر الذي جعل العديد من الاقتصاديين الذين طالما نادوا بتطوير الطرق المحاسبية لقياس وعرض الأصول لتقترب كثيرا من القيمة الحقيقية يناشدون اليوم بإيقاف العمل بأفضل هذه الطرق وأكثرها حداثة، ما جعل خطة الإنقاذ الأمريكية تدرج بندا خاصا بمشروع إعادة النظر في المعيار وتطلب دراسة وافية عنه وتطلب من SEC أن تعلق العمل بطريقةMark to Market . محاسبيا يبدو هذا تدهورا حقيقيا ويعيد المهنة عقدا كاملا من الزمن إلى الوراء، فهل كان المعيار جلادا أم ضحية؟
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاقتصادية الالكترونية 2008
تصميم وتطوير وتنفيذ إدارة البوابة الإلكترونية في صحيفة الاقتصادية
0 التعليقات:
إرسال تعليق